تعب السياسيون العراقيون الفائزون منهم والخاسرون بالتنقل في دول الجوار لكي يصيغيوا توليفة الحكومة الجديدة بلمسات عربية وخليجية ولم يصلوا إلى نتيجة ايجابية بسبب حدة الخلافات الموجودة بين تلك الكتل السياسية الذي يصعب
على العاقل أن يصدق حجم الخصام الموجود بين تلك الأطراف فالبعض يقول نحن أصحاب الاستحقاق الانتخابي والبعض الأخر يقول نحن من ابتداء المشوار وعلينا إكماله وأخرون يريدون أن تكون الحكومة حكومة شراكة . وبين هذه وتلك اندحرت أصوات الناخبين الذين صوتوا لمجمل العملية السياسية والتي يريدون من خلال تلك الأصوات تحقيق أهداف سامية لضمان الحريات الشخصية وبناء مستقبل زاهر تفخر به الأجيال القادمة . وقد تناسوا الساسة العراقيين أن المكاسب التي حصلوا عليها قد جاءت من رحم الواقع العراقي المرير بصياغة شعبية لم يشهد لها تاريخ العراق مثيلا بأيادي عراقية خالصة تؤمن بان ممارسة الحريات الشخصية مستندة على الديمقراطية تجعل من العراق نموذجا براقا لجميع دول المنطقة . ولكن سياسيو العراق لم يعوا معنى تلك الرسالة الجماهيرية العريقة وراحوا يتصارعون على المراكز والكراسي إلى أن فتحوا أبواب العراق على مصراعيها إلى جميع دول الجوار وخاصة تلك الدول التي لها دور كبير في عملية التخريب والدمار والإرهاب الذي بدء منذ سقوط الحكم الدكتاتوري الظالم في عام 2003 ولحد الآن لكي يتدخلوا بالشؤون العراقية الداخلية ويشاركوهم الأفكار والمقترحات لصياغة الحكومة المقبلة . وهذا دليل على إن السياسيون العراقيون لم يمتلكوا الوعي السياسي الكافي لقيادة البلاد وتخليصه من المنعطف التاريخي الذي أودى بالعراق إلى كوارث كبيرة . مع العلم أنهم مازالوا يعيشون حياة المعارضة التي كانوا يمارسونها في المنفى وهذا في حقيقة الأمر شيئا خطير وليس في مصلحة الشعب العراقي .
إما دور الولايات المتحدة في تلك الصراعات جاء على غير المتوقع فقد أخذت أمريكا دور المتفرج لفترة فاقت الأربعة أشهر أي ما بعد انتخابات آذار لعام 2010 لترى هل بقدرة الساسة العراقيين تشكيل حكومة تأتي حسب ما أفرزته معطيات الواقع السياسي . فلما طال الأمر في تلك المسالة أتى التدخل الأمريكي المفاجئ بزيارة نائب الرئيس الأمريكي ( جو بإيدن ) والوفد المرافق له إلى العراق لحل جميع المسائل العالقة وتشكيل الحكومة المقبلة . وقام نائب الرئيس الأمريكي بزيارة إلى جميع الكتل والقوائم الفائزة بالانتخابات لممارسة الضغوط الأمريكية على تلك القوائم لغرض تشكيل حكومة وبأسرع وقت ممكن . وهذا التدخل طبعا سيكون له عدة أسباب ومن أهمها الاتفاقية الأمنية التي تمت بين العراق والولايات المتحدة الاميريكة وجدولة الانسحاب الأمريكي حتى تبين للرأي العام مدى صحة ومصداقية الادراة الأمريكية في تعاملاتها مع كافة الدول وعلى وجه الخصوص العراق . وان الحرب الأخيرة التي قامت بها على العراق الغرض منها هو تخليص الشعب العراقي من الدكتاتورية المميتة والسبب الثاني هو منع إيران من الحرب الإعلامية التي تشنها على الولايات المتحدة الأمريكية لغرض تشويه صورة أمريكا أمام أنظار الرأي العام . ومن هنا نستدل على أن الحكومة ستشكل خلال أيام معدودة بسبب التدخل الأمريكي وممارسة الضغوط على الفرقاء السياسيين . يعني بصريح العبارة ستكون الحكومة العراقية المقبلة بإرادة أمريكية وان الانتخابات الأخيرة ستكون مجرد ظاهرة إعلامية لإقناع الآخرين بان هناك ديمقراطية بالعراق وان الإرادة العراقية ستعلو عليها التدخلات الخارجية وهذا ما لا يحمد عقباه ....